ميخائيل رئيس جند
الرب
بقلم: المتنيح الأنبا
غريغوريوس
لمقرر في الكتب المقدسة أن
ملائكة السماء كثيرون,وأن عددهم غير محصور إلا في علم الله
تعالي خالقهم عددهم ربوات ربوات وألوف ألوف (الرؤيا5:11),وأنهم
أنواع مختلفة,وطغمات,ورتب,وأنهم ذوو اختصاصات متمايزة.ولكل
طغمة منها رئيس,غير أن للملائكة سبعة رؤساء كبار لهم شرف
المثول القريب أمام عرش الله في السماء,وهم الذين وصفهم سفر
الرؤيا بأنهم السبعة الأرواح التي أمام عرشه (1:4),وأنهم سبعة
مصابيح نار متقدة هي سبعة أرواح الله (4:5).كما وصفهم سفر
طوبيا بـالسبعة الواقفين أمام الله (12:15).
هؤلاء السبعة الرؤساء للملائكة
جواهر روحانية غير هيولية,ذكرت أسفار الكتاب المقدس أسماء
ثلاثة منهم وهم:
1- ميخائيل (سفر
دانيال10:13-21),(12:1),(رسالة القديس يهوذا الرسول9),(سفر
الرؤيا12:7).
2- جبرائيل أو غبريال GHABRIEL
(دانيال8:16),(9:21),(لوقا1:19-26).
3- ثم رافائيل RAPHAEL (سفر
طوبيا12:15).
وأضافت كتب الكنيسة (ومنها كتاب
الابصلمودية المقدسة) الأسماء الأربعة الأخري وهي:
4- سوريال (سوريئيل)
SOYRIEL.
5- سيداكيئيل
SEDAKIEL.
6- ساراثيئيل
SARATHIEL.
7- أنانيئيل
ANANIEL.
والمعروف في المفهوم الكنسي إن
أعظم الملائكة السبعة هم ميخائيل,وجبرائيل (غبريال)
ورافائيل.ويوصفون في الخولاجي المقدس (كتاب القداس) وكتب الصلوات
الأخري بأنهم الثلاثة العظماء المنيرون.
أما ميخائيل فهو الأعظم بينهم
جميعا,وهو الرئيس الأول بينهم كما يشهد عنه الملاك جبرائيل
بأنه ميخائيل الرئيس الأعظم (دانيال12:1) ويصفه القديس يهوذا
الرسول في رسالته بأنه ميخائيل رئيس الملائكة (9),ويقول هو عن
نفسه في تعريف ذاته أنا رئيس جند الرب (يشوع5:15,14) أي أنه
رئيس الملائكة جميعا,وهو الأول والمقدم بين رؤساء الملائكة,كما
تصفه كتب الكنيسة في أكثر من موضع بأنه:
(رئيس السمائيين)
وإنه رئيس أجناد القوات
السمائية
وإنه الأول بين جميع الطغمات
السمائية غير الجسدانية
وإنه ميخائيل رئيس الملائكة
العظيم
وإنه الأول في الطقوس
الملائكية
وإنه القريب إلي
الله
وإنه من أعطاه الله الرئاسة
علي جميع الملائكة
كذلك يوصف في بعض كتب الصلوات
الطقسية بإنه صاحب القضيب الذهب الذي في يده ومعناه إنه ملك
الأجناد السمائية ورئيسها المعين قائدا أعلي لها.
ويعزي إلي رئيس الملائكة
ميخائيل إنه هو الذي طرد إبليس وملائكته من السماء عندما
تكبر علي الله وطغي وتجبر,فنزع الرب قضيب الذهب الذي في يد
إبليس أو ليسيفورس,وأعطاه لميخائيل,فشرع ميخائيل في طرد
الشيطان وأشهر عليه سيفه الملتهب نارا ووقعت حرب عظيمة في
السماء,فإن ميخائيل وملائكته حاربوا التنين.وحارب التنين
وملائكته ضدهم.ولم يقووا,ولم يوجد مكانهم بعد ذلك في
السماء,فطرح التنين العظيم,الحية القديمة,ذاك الذي يقال له
إبليس والشيطان,الذي يضل العالم كله,طرح إلي الأرض,وطرحت معه
ملائكته (الرؤيا12:7-9).
في تلك الحرب انتصر
ميخائيل,وانهزم إبليس مدحورا,فطرده ميخائيل من السماء
مقهورا,وأنزله إلي الجحيم والهاوية والعالم السفلي.قال المسيح
له المجد:رأيت الشيطان ساقطا مثل البرق من السماء (لوقا10:18)
وقال الوحي الإلهي:والملائكة الذين لم يحفظوا رياستهم بل تركوا
مسكنهم,حفظهم إلي دينونة اليوم العظيم بقيود أبدية تحت الظلام
(رسالة يهوذا6) ويقول أيضا:الله لم يشفق علي ملائكته قد
اخطأوا بل في سلاسل الظلام طرحهم في جهنم وسلمهم محروسين
للقضاء (.2بطرس2:4).
لقد اتخذ ميخائيل من اسمه
تبريرا حسنا لمحاربة سطانائيل ومنازلته,لأن سطانائيل هذا قد
تعالي علي الله وظن في نفسه أنه صار مثل العلي.فانبري
ميخائيل له,مدفوعا بغيرته المقدسة علي مجد خالقه,منكرا علي
إبليس دعواه تلك.ذلك أن معني ميخائيل بالعبرانية هو من هو
مثل الله؟.وبهذه الصفة تحرك ميخائيل في حربه ضد إبليس,ليخرسه
ويصمته ويقضي علي غروره وادعائه فكان تصرف ميخائيل مطابقا
لاسمه...أنه لم يحتمل أن يكون هناك كائن في السماء يجرؤ
علي أن يدعي لنفسه ما لله سيده وبارئه,فكان الاسم الذي
يحمله ميخائيل,حافزا له علي أن يقود ضد إبليس حربا شعارها
من هو مثل الله؟ يقول النبي إشعياء,وفي قوله يشير إلي
إبليس كما يقول آباء الكنيسة وعلماء الكتاب المقدس:كيف سقطت
من السماء يا زهرة بنت الصبح.كيف قطعت إلي الأرض يا قاهر
الاسم.وأنت قلت في قلبك إني أصعد إلي السماوات,أرفع عرشي
فوق كواكب الله,وأجلس علي جبل الاجتماع في أقاصي الشمال.أصعد
فوق أعالي السحب,أصير مثل العلي.لكنك انحدرت إلي الهاوية,إلي
أسافل الجب (إشعياء14:12-15).
ولعل الصورة التقليدية لرئيس
الملائكة ميخائيل منتصرا علي الشيطان في هيئة تنين هي وسيلة
إيضاح رمزية لتلك الحرب القديمة التي نشبت في السماء,وترتب
عليها طرد الشيطان من السماء وهبوطه إلي الأرض,ونزوله إلي
الهاوية والعالم السفلي.ويظهر في الصورة رئيس الملائكة ميخائيل
في هيئة رئيس جند الرب مرتديا حلته الحربية,ومشهرا سيفه بيده
اليمني,ممسكا بميزان بيده اليسري.أما الميزان فقد شالت إحدي
كفتيه,وفي ذلك بيان لنقص الشيطان أمام الحق الإلهي,وإيضاح
لعدم استقامة سيرته وسلوكه.وبينما يبدو رئيس الملائكة منتصرا
في قوة وجلال وجبروت,يظهر الشيطان الحية القديمة مدحورا تحت
قدميه,مكسورا مهزوما ومرتعبا,وقد مسخت صورته الأصلية وتحول إلي
تنين شرير ومظلم وكريه الشكل وقبيح المنظر.
وفي الوقت نفسه تشير الصورة
نفسها إلي اندحار الشيطان أمام رئيس الملائكة ميخائيل في نزاع
آخر بينهما,من جهة جسد النبي موسي,الذي أراد الله أن يخفيه
عن بني إسرائيل (التثنية34:6,5) حتي لا يعبدوه فيقعوا في عبادة
الأوثان,بينما قصد الشيطان أن يظهره لبني إسرائيل ليفسدهم عن
الإيمان بالله الواحد الحقيقي وحده.يقول الرسول يهوذا المعروف
أيضا باسم تداوس:وأما ميخائيل رئيس الملائكة,فلما خاصم إبليس
وجادله من جهة جسد موسي,لم يجسر أن يورد حكم افتراء بل
قال لينتهرك الرب (رسالة يهوذا9).
ولرئيس الملائكة ميخائيل جولات
أخري مع الشيطان ومملكته.فميخائيل هو الذي ساند الملاك
جبرائيل,وأعانه علي الشيطان رئيس مملكة فارس,فعندما وقف الأخير
ضد جبرائيل وقاومه مدة واحد وعشرين يوما,ليمنعه من الوصول
إلي النبي دانيال,وكان جبرائيل قد جاء من السماء ليبشر
دانيال بخلاص شعبه,وذلك استجابة لصلوات دانيال وصومه
الطويل.ويقول الملاك جبرائيل:وقد قاومني رئيس مملكة فارس واحدا
وعشرين يوما,فأتي لنصرتي ميخائيل...فقد كنت متلبثا هناك عند
ملوك فارس...فالآن أرجع لأحارب رئيس فارس...وليس أحد يساعدني
علي هؤلاء إلا ميخائيل (سفر دانيال10:12-21).
وفضلا عما قام ومازال يقوم به
ميخائيل رئيس الملائكة من أعمال الحرب والقتال ضد إبليس,منذ
القديم وإلي اليوم,فإنه قام ومازال يقوم كذلك بعمل الشفاعة
في المؤمنين أمام الله,فهو يشفع فيهم,ويسأل الله من
أجلهم,ويطلب خلاصهم من الضيق والشر,ويرفع إلي العرش
صلواتهم.فقد شهد عنه الملاك جبرائيل إنه كان يشفع في بني
إسرائيل ويطلب خلاصهم ونجاتهم وفي ذلك الزمان يقوم ميخائيل
الرئيس العظيم القائم لبني شعبك...وفي ذلك الزمان ينجي شعبك
(دانيال12:1),(سفر زكريا1:12-17).
وإذ رفض اليهود فيما بعد
الإيمان بالمسيح له المجد,وقاوموه مصرين علي خطيئتهم,غضب
المسيح عليهم ولعنهم,ودعا علي هيكلهم بالخراب
(متي23:38),(لوقا13:35),وعلي أمتهم بالشتات.فصاروا أعداء
الله,وفقدوا امتيازهم كشعب الله المختار,فانتزع الرب منهم كرمه
الإلهي وسلمه إلي كرامين آخرين (متي21:41) هم رسله
وتلاميذه.وبذلك صارت الكنيسة المسيحية هي إسرائيل الجديد,وشعب
الله المختار,وقد حلت محل إسرائيل القديم.وهنا تقدم لنا كتب
الكنيسة,ميخائيل رئيس الملائكة باعتباره أنه الرئيس العظيم
القائم يشفع في كنيسة العهد الجديد,ويرفع الصلاة في كل حين
عن شعب الله,من السائرين في طريق السماء,المجاهدين من أجل
الخلاص الأبدي.